مميزة

كيف أصبحت أنا؟

في البداية كُنت أشعر بأنني سأنجوا مادمت في هذا الطريق، الطريق الذي يملؤه المقربين مني و عُمرهم يساوي عُمري تقريبًا. بالرُغم أنني كنت مشتته لا أعلم هل هذا هو طريقي أم لا ! كان علي تمييز ذاك التغير الذي بداخلي قبل أن يفوت الآوان.

تنحيت جانبًا و بقيت بجانب تلك الكُتب التي تتحدث عن حال المجتمعات من عِدة نواحي، دُهشت بنفسي بما كنت أنوي عليه. قد نراوغ أنفسنا على حُب الدنيا في حين أنها لا تستحق ذلك، نصبح في حالة ضجر و كره حين يُرفض ما طلبناه لِمجرد رغبتنا في إظهار أنفسنا بذلك الشكل الذي طلبه المجتمع ! نفشل في ذلك الطريق كثيرًا و لن نتوقف عن هذا الفشل إلا حين نقبل بتغيرنا و نعتز بِه.

في النهاية، أصبحتُ أنا. تلك الفتاة التي تُتهم بالغرور و الرسمية الصلبة… إلخ. لن يعرف أحدًا من أكون ماعدا ذاك الشخص التي خاض هذه المعركة.

مضى الكثير

يزورني إلهام في منتصف الليل ، يأتي ومعه ذكرى قديمة يغشاها الغُبار . أيتها الفتاة أعلم أنك لا تزالي ذاكِرة والنسيان بعيدًا عنك ، اجعلي أفكارك تكتب واتركي فمك مغلق ويداك مُكبلة !

لا أعلم لما يأتي الليل بالظلمة لدواخلي ، تمامًا كما يأتي بالظلمة ذاتها للسماء . قمري ونجومي في غفوة ولا يستقظ سوى خاطر كخاطري . أهي أنا التي تُجلي الليل ؟ أم الليل يُجليني ؟

حيثما كانت عيناي تُحدق. تحدق في فراغ بعيد في غرفة ضيقة ، تكاد تكسر أضلعي !

بمفردي هنا ، أهي حريتي أم وحدتي ؟ ألا أرى سوى أوهامي .. تطوف حولي ولست لها بماسكة . النجداة ، نداء من روحي التي لاتسمع لها منقذ. ضجيج عقلي ، تسارع نبضي وصوت الساعة .. الوقت يمضي وأنا عالقة.

النوم ؟ لا، لم يكن مجديًا قط. فلا مهرب من أفكاري وأوهامي ، تتسارع إلي كوابيسًا تنتظر استيقاظي ، ليعود بي الحال إلى ما كان … إلى تحديق وانتظار أمرًا ما لا قوة لي للسعي له ولا حول لي بالمضي قدمًا. حولي وقوتي بك يا الله أن يمضي ليلي هذا وتشرق شمس تُنير وحشتي .

بك أملي … بك أملي …

إلى أين …

تساؤل بدا على وجنتيها كل ما اشرقت الشمس، تستمر بتكرار ذلك الروتين الذي أصبح أكثر من مُمِل ، تُتابع تكرار تلك الوجوه و التصرفات البذيئة ، كل شيء كان يعيد نفسه إلا أفكارِها. مليئة بالأفكار المتجددة، فَفِي كُل دقيقة تُولد فكرة جديده، هيهات من يسمع كل ذاك ؟ أ مضيتي أيتها الشابة دون أن يسمعكِ أحد؟ هل رسمتي لوحاتكِ باللون ذاته؟ هل مازلت تكتبين؟ فقد جف القلم لا شيء يظهر لنا .

ترتدي مشاعرها حتى تبدوا بصورة أفضل، أنها ترتدي مظهرًا لا تبدو عليه حتى لا تصبح محط شفقه الآخرين . إلى أين ؟ متى سينتهي هذا العرض ؟ مسرحية مزيفة طويلة ، تفاصيلها لا تجذب المشاهدين ، بل لا تجذب الممثل بذاته حتى !

للأسف كانت المسرحية هي حياتها التي لا علم لها متى ستنتهي. لوحتها التي باتت ترسمها حتى نفذت الالوان و مازالت فرشاة الرسم تلوح على ذلك اللوح المُبهم . يحتوي كل صغيرة و كبيرة فقد كانت ترسم على مدار الليل و النهار . يومًا بعد يوم ، شهرًا بعد شهر حتى مضت سنتُها و هي داخل تلك الدوامة . باتت تُحيا بفكرة و تموت بأخرى .

حتى ساد الصمت بين ثناياها ، أغمضت ، تأملت حتى تخلصت من العالم الخارجي. تكرر هذا كل يوم حتى توصلت أنها تفعم نفسها خوفًا بل ملأت نفسها يأسًا . حاولت تهدئة نفسها خشية أن تندرج حياتها بالمزيد من الخيبة و الرذيلة .

ما أعمق الفِكر حين يُولد ما يُحيينا ! كان هذا هو البؤس و أما الحياة فلا تتمثل كالجثة ، صحيح ؟

الحياة ! الحياة ! الحياة ! … لِأخر النفس ما كانت تعتقده ليس بحياة فالحياة هي حياة.

لاحظت أنها كانت تسكن بين أشباح من صُنعِها، تضع ذاتها بين مخاوفها. بالفعل قُدِر لها أن تتعثر ولكن، تتعثر لِـتنهض لا لتبقى تدور حول عثراتِها فقد كان شقاؤها على يدها و إن استمرت بهذا لن تتوقف .

فالغد يأتي كل يوم ، و كل غدٍ يحمل شروق جديد و لكل شروق حكاية رائعة. كانت تتأمل بالكثير من أمثلة الطبيعة كالشمعة [ لا تضيء دون أن تشتعل ] ، الشجر [ يمر عليها الخريف حتى يجدد أرواقها لتبدوا أكثر صحة و جاذبية في الفصل المُقبِل ] و الكثير …

في النهاية، لابد أن هناك نهاية عرض لكل مسرحية ، نتيجة نهائية لكل لوحة ، مقال للقراءة بعد كل كِتابة . تأملوا ، تخلصوا من العالم الملموس سوف تظهر نتيجة ذلك بأن هناك طرق للنجاة أسعوا لها إن أشرقت الشمس و خططوا أين سيكتمل هذا الطريق حين يرتفع القمر . لا تقف مكتوف الأيدي فالحياة ما زالت على قيد الحياة، أسعى لها .

أريد راحة، لا فراغ.

علينا أختيار قرارات كثيرة في اليوم ذاته، قرارات اعتيادية أو قرارات مصيرية. الأهم لا تتجاهل ذلك .

في يومًا ما، عندما صحوت من نومي لجأت إلى المرآة أولًا، سرحت في ذلك الوجه لدقائق معدودة – كأنني إنسان فارغ الأهداف … وجه شاحب شعر منكوش و لا يوجد شيء في لائحة المهمات.

بلّلت وجهي قطرات الماء ثم تناولت إفطاري ثم لا شيء ! لاشيء على الإطلاق. هدوءٌ يعم المكان، آه كم أكره الفراغ شبيه بأنه يأكل أحشائي، لعلَّ هذا الهدوء إعصار يجني حتّى على مشاعرك الحقيقيّة!

لجأت لورقتي و القلم … لعلي أملك شيئًا سقط مني سهوًا – شيئًا ما يأخذني بعيدًا عن هذا الفراغ – لِربما الرسم ؟ قراءة الكتب الفلسفية ؟

الكتب عالم إثراء … الرسم صُنع حياة تعبيرية خاصة، لكنني أختار الكتب دائمًا. باتت الكلمات تقلب الدقائق و الصفحات تُدير بأناملها عقرب الساعات، الآن … بعد كل شيء أصبحت عدوة الفراغ ! أن أجلس هكذا بلا أي أهداف، كان دِماغي شبيه بِـديجور الليل، يداي مقيدتان. هل أستحق هذا الإعدام؟ ما الدافع الذي يصل بي إلى أن أُلقي بِنفسي مع الحائط ؟ أفعل شيء ما ينقذك لا تنتقم من ذاتك بذاتك.

للأبد سأعود إلى اختصار الوقت، سأعود إلى التسلية التي يشيخ فيها وقتي.

إلى خولة القزويني

” لا سيما في مجتمع طغت فيه المادة على تصرفات الوضع، و جعلت بينه و بين القيم و المبادئ ستاراً حديدياً ، فإذا به يتحول إلى مجتمع يقيس المبادئ و الأخلاق بمقياس المصلحة الشخصية ، مادية كانت أو معنوية … ”

لفتت نظري هذه السطور من رِواية جِراحات الزمن الرديء ، خولة القزويني.

الكثير من الأفراد المسلمين استقبلوا حياتهم بالنقد السلبي المحبط، لِمجرد أتباعهم قيمهم و احترامهم لِمبادئهم، رسمنا في ذلك الفكر أن المبادئ هي تلك التي نشأت بِطرقنا الخاصة ” التي تجعل النفس راضية “. هل فكروا يومًا ما أن كل ذا التباهي بالأخلاق المُفعمة بالتصنع سيهبط بهم أرضًأ ؟

” إن الدنيا مزرعة من الأشواك ،صـ71 ”

ما زِالت الدنيا تقذفنا أمام هذه المواجهات الصعبة … شيئًا ما يطحن الفُؤاد، الحيرة تأكل الروح. هل علينا مواساتهم ؟ أم البقاء على ما نحن عليه ؟! هل يمكننا التعايش معهم ؟ العديد من الأسئلة لا يوجد لها جوابًا منطقي. هل سنتطور و نبتعد عن هذه التُراهات؟ أم سنتدهور و سـ تسوء الأحوال؟!

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ